*آخر من رآه هو عامل المزرعة وبعدها إختفى كفص الملح في الماء*

صحم – أحمد البريكي:

مضت عشرة أيام كاملة، وما زال لغز اختفاء الشاب محمود بن محمد بن سالم السعيدي من ولاية صحم مستمراً دون العثور على أي خيط يوصل إلى مكان اختفائه أو تفاصيل توضح سبب اختفائه.
وتبذل شرطة عمان السلطانية والمواطنون جهودا كبيرة في البحث عنه لكن حتى الآن دون جدوى، وتنظم الفرق الأهلية التطوعية ومجموعات من شرطة عمانية السلطانية حملات بحث وتمشيط في ولاية صحم من الساحل إلى المرتفعات الجبلية إلا أن محمود ما زال غائباً ولا أثر له، وتداعى الكثير من المواطنين للمشاركة في البحث بشكل تطوعي، وتم البحث في كل المناطق التي يمكن أن يكون قد ذهب إليها لكن لا جديد يذكر.
وكان محمود قد اختفى صباح العاشر من أبريل الجاري، وآخر من شاهده في ذلك اليوم عامل المزرعة، حيث رآه يرتدي ملابس رياضية ويقف في وسط البيت المفتوح على المزرعة، ذهب عامل المزرعة للصلاة.. فيما اختفى محمود، ولم يتم العثور عليه حتى لحظات كتابة هذا الخبر.
*جريدة عمان* تواصلت مع عائلة محمود وتحدثت مع شقيقه سالم بن محمد السعيدي للوقوف على تفاصيل اختفاء أخيه، كان سالم رابط الجأش رغم أيام البحث الطويلة، ورغم اللغز الذي لا حل له حتى الآن، وكذلك كان كثير التفاؤل.
قال لـ«جريدة عمان»: لم نفقد الأمل في العثور عليه حياً بإذن الله، إنه شاب ذكي جدا، صحيح أنه يحب العزلة، ولكن هذا ما يجعلنا متيقنين في العثور عليه حيا بإذن الله».
يقول سالم: كان محمود «27 عاما وأصغر إخوته» مثله مثل جميع الشباب في قرية ديل آل عبدالسلام» يحب كرة القدم، وكان أول لاعب يصل إلى ملعب القرية عصراً، ورغم ذلك كان متفوقا في دراسته كثيرا، ومعروفا بالذكاء إلى أن وصل للصف الأول الإعدادي «السابع حاليا» حيث تغيّرت حالته الصحية، وكره المدرسة، ولم يستطع الذهاب إليها رغم رغبته في ذلك، كان يصل إلى باب المدرسة ثم يعود وكأن شيئاً ما يمنعه من مواصلة سيره، فيعود للمنزل».. يصمت سالم قليلا قبل أن يكمل: مضى عام دراسي ونصف العام تقريبا قبل أن يستطيع العودة للمدرسة مرة أخرى، بعد أن تماثل للشفاء.
عاد للمدرسة متفوقاً كما كان، لكنه دخل فيما يشبه العزلة مع نفسه، لم يعد محمود كما كان، محبا للحياة واجتماعيا مع زملائه، لم يستطع أن يصنع صداقات مع أقرانه في القرية أو المدرسة، كان يعتزل كل شيء، لكنه بقي مهتما بدراسته ومتفوقاً فيها، ما قاده للنجاح في الدبلوم العام بتفوق، واستطاع الحصول على بعثة دراسية إلى أمريكا. واعتقدنا أن هذا الأمر قد يخرجه من عزلته.
يكمل سالم حديثه عبر الهاتف: مضى على وجوده في أمريكا في دراسة الهندسة الإلكترونية أربع سنوات، وفي السنة الخامسة عادت له المشكلة مرة أخرى، لم يستطع أن يكمل الدراسة وعاد إلى عمان. وتم تشخيص حالته طبيا، كانت النتيجة أنه مصاب باكتئاب حاد. هذا التشخيص جعل وزارة التعليم العالي تساعده، وتحول بعثته الدراسية إلى بعثة داخلية، والتحق فعلاً بكلية كالدونيان في مسقط ليكمل دراسته، وانتظم فيها لمدة عام تقريبا قبل أن تعود له حالة الاكتئاب الحاد مرة أخرى، ولم يستطع البقاء في مسقط.. عاد منها قبل عام تقريباً، وبقي رهين المنزل لا يكاد يفارقه.
يعود سالم للصمت ثانية قبل أن يعاود حديثاً متقطعاً ولكنه واضحاً جداً: عندما عاد من مسقط تخلص من هاتفه المحمول، قال: إنه لا يريد أن يكون لديه هاتف يتحدث عبره مع أحد، ولكنه طلب جهاز حاسب محمول وآيباد من أجل تنزيل كتب للقراءة، فقد كان يحب القراءة.
وعندما سألته عن نوعية الكتب التي كان يقرأها عبر الآيباد، قال: لا أعرف.
وعندما طلبنا منه معرفة نوعية الكتب التي قام بتنزيلها من خلال الدخول على جهازه علها تقود إلى حل بعض اللغز، قال سالم سريعاً: «اللابتوب والآيباد» اختفيا معه يوم اختفائه، ربما أخذهما معه، وحول ما إذا كانت لديه مكتبة ورقية في غرفته، قال شقيقه: لم تكن لديه مكتبة ورقية فقط يقرأ كتباً إلكترونية عبر جهاز آيباده كما فهمنا!
ويتحدث سالم عن أخيه بالقول: كان معنا في البيت ولكن لم نكن نراه كثيرا، كان يختلي بنفسه، يتحدث قليلاً جداً مع والدته عندما تسأله، لكنه لم يكن يردّ عليها بجمل طويلة، فقط كلمة أو كلمتين ثم ينتهي الحوار، ويعود إلى صمته وعزلته، حتى غدائه كان يتناوله بمفرده وليس مع العائلة.
لكن سالم لا يعرف حتى الآن ما إذا كان المرض هو وراء اختفاء أخيه، فهذه المرة الأولى التي يغادر فيها المنزل لهذه الفترة الطويلة.. وهو شاب هادئ جدا، لا تصدر منه أي تصرفات عدوانية.
ولا توجد صور كثيرة لمحمود، والصورة المرفقة مع هذا الخبر والتي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. ربما الصورة الوحيدة له، إنه يبتسم فيها، ولكن وراء تلك الابتسامة ما وراءه سر، ربما لا يبوح به حتى اكتشاف سر اختفائه.
سالم على يقين أنه سيجد أخيه، وسيعود لهم بإذن الله ليزرع البسمة في وجوه أفراد العائلة، ويضع الكثير من النقاط المفقودة فوق حروف اللغز الذي يزداد غموضاً كل يوم، فأين اختفى محمود؟!