المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : *الشخصية الإنسانية .. بين الهدر والاستثمار* *بقلم : سلطان بن محمد القاسمي*



صوت صحم للاعلام
02-03-2019, 04:08 AM
*الشخصية الإنسانية .. بين الهدر والاستثمار*

*بقلم : سلطان بن محمد القاسمي*
*** يعد المجتمع الإنساني المجتمع الفريد بين المجتمعات الحية الأخرى، والذي يتميز بكونه مجتمعاً ولوداً ودوداً تجمع أفراده العلاقات النسبية، وتحدُّه ضوابط الإنسانية، وفي الوقت نفسه يشترك مع المجتمعات الأخرى في كون أفراده يلتفون غالباً حول أحد عناصره بصفته بؤرة مركزية، ويملك سلطة التأثير أو القرار أو القوة، وبهذا فإن أهم معلم من معالم الحياة الإنسانية هو وجود الشخصية المؤثرة، والتي يتأثر بها الأفراد، والجماعات، وحتى الأمم.
*** فالشخصية تعدُّ العلامة الفارقة على مستوى المجتمع التي تميز فرداً عن آخر، وفهم طبيعتها ومكوناتها من الضرورات الملحة لفهم الآخر، والتعامل معه على هذا الأساس، بالإضافة إلى أهمية ذلك في وضع الإنسان في المكان المناسب ومنحه فرصة الإبداع والتطور مقابل استثمار قدراته في بناء الفرد والمجتمع.
*** ومن هذا فقد ذهب بعض علماء النفس إلى تعريف الشخصية على أنها الأساليب الثابتة للسلوك، والسمات التي تميز الأشخاص والجماعات والثقافات على اختلاف أنواع(). بينما قدم ألبورت تعريف مبسط وشامل للشخصية جمع وألف بين الدينامية والوظيفية في تعريفه للشخصية فهو ينظر إلي الشخصية كانتظام دينامي عند الفرد لجميع الأجهزة النفسية والفسيولوجية الذي يحدد توافقاته الأصلية مع بيئته().
*** وإنطلاقاً من مفهوم السمة - والتي ترتبط بالشخصية ارتباطاً وثيقاً - والذي يشير إلى كونها طريقة دائمة للتأثير على السلوك بشكل نسبي، في مواقف مختلفة ترتبط معها بعلاقة معينة. فإن الإنسان يتشكل من مجموعة سمات معنوية، تشكل في النهاية خصائصه وأوصافه المعنوية، فالشجاعة سمة، والكرم سمة، والصبر سمة، وهي سمات ليست مادية، لكنما يمكن التعرف إليها من ملاحظة السلوك.
*** وفي ضوء ذلك يمكن أن نقول بأن السمات هي التي تجعل الفرد فريداً مميزاً عن الآخرين مع الاعتراف بوجود قدر من التشابه بينهم، والسمات - فضلاً عن الصفات السلوكية- هي التي تضفي على الشخصية بصمة خاصة تتميز بها عن غيرها من الشخصيات.
*** وقبل أن نشرع بتأثير الشخصية وسماتها، لابد من الوقوف على عناصر الشخصية، وذلك لإدراك الأسباب التي تقف وراء تمايزها وتنوعها، حيث تتحد طبيعة الشخصية بعدد من العناصر والسمات والتي تكون الشكل النهائي للشخصية وأهمها():

الانفتاح: (فضولي، خلّاق)، بالمقابل، (ثابت، متحفظ). تقيس درجة فضول الشخص ورغبته للاكتشاف، واستعداده لسماع الجديد والغريب (سواء تجارب وأنشطة، أو أفكار ومفاهيم)، ومدى تقديره للفن والإبداع.

الضّمير(أو الوعي): يتعلّق بالتنظيم والأَمر والتّعليمات والواجب والفرض والأهميّات والتعمّد والقصد ودرجة الحذر وضبط النفس.

الاجتماع (أو التّخَالط): يتعلّق بمخالطة المرء لغيره ودرجة اندماجه في المجتمع وما يحيطه، وذلك أيضاً متعلق بدرجة الإصرار النفسيّه والثقة بالنّفس وفعالية الشخص ونشاطه ومشاعره الإيجابيّة.

التّوافق: يتعلّق بالثّقه بالآخرين ودرجة مساعدة المرء لغيره واللَطافَة وحسن المعاملة.

الاضطراب (أو القلق): يتعلّق بكآبَة النفس والغَم والإنْقِباض وانخفاض وهبوط النفسية وقابليّة تعرّض المرء للمشاعر السلبيّة وعدم تقبل الآخرين

*** وعليه تتعدد أنواع الشخصيّات تبعاً لسماتها وطبيعتها، ومنها: الشّخصيّة الانطوائيّة، والشّخصيّة القهريّة، والشّخصيّة الاضطهاديّة، والشّخصيّة الهستيريّة، والشّخصيّة النّرجسيّة، والشّخصيّة الحدّيّة، والشّخصيّة الاعتماديّة، والشّخصيّة العدوانيّة، والشّخصيّة الوسواسيّة، والشّخصيّة الاكتئابيّة، والشّخصيّة الانبساطيّة، والشّخصيّة الإيجابيّة، والشّخصيّة المُتَّزنة، والشّخصيّة المُرتابة، والشّخصيّة السّاذجة، والشّخصيّة القاسية، والشّخصيّة العَطوفة، والشّخصيّة المُستسلِمة.. وغيرها().
*** وهذه العناوين التي أطلقها علماء النفس على تلك الشخصيات ينبغي أن لا تأخذ القاريء إلى الجانب السلبي فقط، لإن كل شخصية من هذه الشخصيات تحتمل الجانبين، فقد يكون في الشخصية الانطوائية خير ينطوي على الاختراع والابداع والتوصل إلى أفكار مميزة، وكذلك الشخصية العداونية، فبالرغم من بروز صفة العدوانية إلا أنها تتضمن صفة الإقدام والجرأة التي يحتاجها القائد والجندي، بمعنى أن كل شخصية فيها من السمات الايجابية ما يمكن أن تكون طاقة عظيمة تستثمرها الأمة لخدمتها، وتفريغ ما يبدو سلبياً في مجالات متاحة ومباحة لتحويل هذه الشخصية إلى ثروة تغني الأمة وتعزز مكانتها بين الأمم، وبالتالي ستختلف درجة تأثير الشخصية في المجتمع بحسب نوع الشخصية وسماتها وعناصرها، لكن الأهم من ذلك هو كيف نستثمر هذه الشخصيات في عمل مؤسسي منظم، يجعل من كل هذا التنوع - وهو وافر لا محالة- خزيناً استراتيجياً يعزز من رصيد المجتمع الفكري والثقافي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.
*** قد يكون من الأخطاء الجسيمة التي نرتكبها في أنفسنا وأبنائنا ومجتمعنا أننا نريد من الجميع أن يكونوا نسخا عن الآخرين، وهذا بلاشك - مع استحالته- سيهدر طاقات جمة، ويضيع أوقاتاً كثيراً، وينسف آمالاً بنيت على الرمال، لأن النسخ محال، وهو بعيد المنال، لكن المتاح هو توظيف هذا التنوع بعد دراسة وعناية في مجالات وحقول متنوعة، فلاينبغي أن نحشر الشخصية الانطوائية في ما ينبغي أن يكون المتقدم فيه اجتماعياً تواصلياً منفتحا على الآخر، يجيد الحوار واللباقة، ولايكل من الأخذ والعطاء في تبادل الرأي والرأي الآخر. وفي الوقت ذاته لاينبغي أن نحشر الشخصية الاجتماعية في مجال الاختراعات وننتظر منها المعجزات، هكذا ينبغي أن يتعامل مع هذا الأمر مع بقاء الأمر ضمن دائرة التنوع النسبي غير محدد المستويات إلا بدراسة وخبرة ومعاينة. وهذا ينطبق على الشخصية العدوانية والايجابية والانهزامية وغير ذلك، فلكل شخصية المكان المناسب الذي يلائم خصائصها وسماتها.
*** وهذه العملية فطنت لها كثير من الأمم اليوم، فأنشأوا لذلك المعاهد والمؤسسات المتخصصة في اكتشاف وبناء الشخصية، والتعرف إلى سماتها وخصائصها، ووضع الخطط الكفيلة باستثمارها وتوظيفها في المجال المناسب، لضمان الحصول على نتاجات مميزة، مع الاحتفاظ بالانسان قيمةً كبرى في المجتمع.
*** وكم هو جوهري أن يتضمن المنهاج المدرسي إلى الجامعي حصصاً معرفية وعملية لبناء الشخصية واكتشافها وتوظيفها وتعزيز نقاط قوتها، ومعالجة نقاط ضعفها، لئلا تهدر هذه الشخصيات وتضيع الطاقات وتبدد ثروة ما كان لها أن تبدد، وهي اليوم تعد الثروة الحقيقية التي يستثمر بها، ويرتكز إليها، لأن الوطن كله بافراده وخاماته وكنوزه وموارده بحاجة إلى أنماط شخصية ذات دافعية وإيجابية وقدرة على العطاء والإبداع والبناء، وإرادة صلبة في مواجهة التحديات، والإصرار على تحقيق الهدف وبلوغ الغاية، لأن الكنوز مهما بلغت أثمانها ستظل حبيسة الأرض أو رهينة الخصوم، ما لم تنبر لها شخصيات بنّاءة، تعمل بطاقتها وسعتها ومحبتها ورغبتها في تعمير الأرض وترفيه المجتمع.
*** فالإنسان هو الثروة، والتراخي في استثمارها يعني هدر المزيد من السنوات والطاقات، واستثمارها يعني المزيد من السبق والتقدم والازدهار والاستقرار، وشعبنا وبلادنا - بفضل الله- عامرة بالطاقات، مليئة بالقدرات، محفزة على البناء وإكرام الإنسان، فلهذا نحن في أمل أن تأخذ المؤسسات جميعها على عاتقها مسؤولية أن تهدي للمجتمع شخصيات هي سور للوطن، وهي الكنز الذي لاينضب، والمستقبل الواعد والمشرق.
المراجع

القذافي، رمضان محمد(2011). الشخصية نظرياتها اختبارتها وأساليب قياسها، ص8، ليبيا، المكتب الجامعي الحديث.

الرمضاني، عبدالسلام بن حمد بن محمد(2015). دراسة بعض سمات الشخصية المنبئة بجنوح الأحداث في سلطنة عمان. ط1. نزوى: *شرطة عمان السلطانية، أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة، مجمع البحوث والدراسات.

الصالح، عبدالكريم (2007)، تحليل الشخصيات وفن التعامل معها. كتاب أونلاين.

Atkinson, Rita, L.; Atkinson, Richard C.; Smith, Edward E.; Bem, Daryl J. & Nolen-Hoeksema, Susan (2000). Hilgard's Introduction to Psychology. (13 ed.). Orlando, Florida: Harcourt College Publishers.

http://www.sahmawi.com/do.php?img=9132 (http://www.sahmawi.com/)