المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : #مقال | *أحنُّ إلى خُبز أُمِّي* بقلم/ سلطان بن محمد القاسمي



صوت صحم للاعلام
12-20-2018, 06:01 AM
#مقال | *أحنُّ إلى خُبز أُمِّي*
بقلم/ سلطان بن محمد القاسمي



محروم.. جدا.. من لا يعشق ظلاً في الدار .. ينطقه العالم أُمّاً.. يحكيه القلب ..روحاً.. يترنمه القول أنغاما .. محروم جدا.. من يسكن بجوار الحب.. ولا يدري كيف يحياه ويعيشه.. محروم جدا.. من لاتحفل به أمه عمرا .. ذاك الذي يتصدق بكلمة في يوم الام.. والام هي الايام.. والحب.. بل هي أنت.. يا أنت...
الأم.. يجهل قدرها من لاقدر لها.. من لا علم له.. من لا فهم له.. من لا تشغله إلا نفسه.. وقد يشعر بعد فوات الأوان.. بعد أن يخسرها.. سيدرك كم ضيع من عمره أياما واياما.. كانت لتكون أبهى لو جلس عند قدمي أمه.. يطلب رضاها.. ودعاءها.. وقبلة كفها.. ورأسها.. ويتلمس في عينيها ما ترغب.. فيلبي لها قلبه.. قبل يديه.. ويسعى ليسرها بروحه قبل جيبه.. من فقد أمه ولم يرضها لقد فقد الكثير الكثير.. فمن يكافيء الام بعد الفقد.. لا أحد .. إلا قلب آمن بالله.. أرضاها من قبل.. واسعدها بعد.. بعمل صالح.. وصدقة مستمرة.. ودعاء عريض آناء الليل وأطراف النهار..
الأم.. قصة من أجمل القصص.. إنها قصة السعادة الحقيقية لمن يعرف.. وهي الحكاية الجميلة لمن يدرك.. وهي السرور والرضا.. لمن التزم رضاها وبرها.. هي سرٌ لا يفرط به.. وكنز *الكنوز لمن أراد أن يدخر ويكنز.. أمك ثم أمك .. ثم أمك.. إحتفِ بها كل يوم.. كل ساعة.. وليس في يوم واحد في العام.. إنها العام كله.. وهي من جعلت لأيامك معنى.. لا تقل اليوم عيد الأم.. ثم تتوقف عند ذلك اليوم.. بل قل؛ العمر كله عيدي أنت يا أمي..
يحكي أن محمود درويش كان الطفل الأوسط بين إخوته وكان يظن أن أمه لا تحبه بحكم أنه عندما كان يجري توزيع المسؤوليات كان يتم إحتسابه مع الكبار، وعندما كان يجري توبيخ الصغار كان محمود درويش يحسب بينهم أيضاً، فنشأ شعور في قلبه بأن أمه لا تحبه مثل باقي إخوته. ومما زاد الطين بلة أن والده كان رجلاً قليل الكلام خجولاً ولا يُعبِّر عن حبه لأطفاله مما زاد شعوره الكاذب بالظلم تأكيداً. ولم يصحح محمود درويش نظرته حتى تم اعتقاله من طرف السلطات الإسرائيلية التي أودعته السجن، فجاءت أمه لزيارته ومعها القهوة والخبز ومنعوها من إدخالهم وأسمعها وهي تحاول بكل ما أوتيت من قوة لتوصل إليه الخبز الذي خبزته بنفسها والقهوة التي أعدتها له، ولما سمحوا لها بالدخول احتضنها كطفل صغير وهي تبكي، فبدأ يقبِّل يديها كما لم يفعل من قبل، فانهار ذلك الجدار الذي كان بينه وبينها وإكتشف أنه ظلم أمه عندما اعتقد أنها تحبه أقل من باقي إخوته، وعندما غادر *السجن ظل ذلك المساء نادماً وقرر الاعتذار لها في قصيدة فنظم قصيدة أسماها قصيدة اعتذار ولم يكن مسموحاً له بورق الكتابة فكتبها على ورقة الألمنيوم لعلبة سجائر وأخذها معه سرا عندما خرج من السجن... يتحدث عن ذلك هو فيقول: عندما كنت في السجن زارتني أمي وهي تحمل الفواكه والقهوة . ولا أنسى حزنها عندما صادر السجان إبريق القهوة وسكبه على الأرض، ولا أنسى دموعها. لذلك كتبت لها اعترافا شخصيا في زنزانتي، على علبة سجائر، أقول فيه . [أحنّ إلى خبز أمي.. وقهوة أمي.. ولمسة أمي.. وتكبر في الطفولة.. يوما على صدر أمي.. وأعشق عمري لأني إذا متّ، أخجل من دمع أمي!.. خذيني، إذا عدت يوما.. وشاحا لهدبك.. وغطّي عظامي بعشب.. تعمّد من طهر كعبك.. وشدّي وثاقي.. بخصلة شعر.. بخيط يلوّح في ذيل ثوبك.. ضعيني، إذا ما رجعت.. وقودا بتنور نارك..وحبل غسيل على سطح دارك.. لأني فقدت الوقوف.. بدون صلاة نهارك.. هرمت، فردّي نجوم الطفولة.. حتى أشارك.. صغار العصافير.. درب الرجوع.. لعشّ انتظارك!]
وأنا لم أكن أظن يوما أني سأفقد ذلك الظل الظليل بهذه السرعة.. ما كنت أظن.. أن الآجال تتخطف الناس من حولي على حين غرة.... وإن كانت أمي ومن قبلها أبي.. ولو كنت بأمس الحاجة لهما.. لكنه أجل لابد أن يأتي.. ولا بد لي أن أبرّ وأن أحسن لمن فقدت .. فإني أظنُّ - وهذه المرة أنا اثق بظني- أن ما أقوم به سيصل اليهما سرورا وسعادة.. ومحبة وفرحا.. كأنني اراهما الآن يضحكان لكلماتي.. يبسمان... ينتشيان.. يتعانقان.. وكأنني اسمع لصوتهما صدى يقول: رضي الله عنك.. يا بني.. كما أرضيتنا.. واسعدك كما أسعدتنا.. *وكأنني اسمع صدى الوحي يردد: "وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا"..
تعجل.. يا من لك أُمٌّ تعيش معك.. بالقرب منك.. لا تطل بينها المسافات.. وتعكر عليها أيامها.. لاتسيء إليها.. أحسن ثم أحسن ثم أحسن... فان للمحسنين سرورا.

http://www.sahmawi.com/do.php?img=8736 (http://www.sahmawi.com/)