المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : #مقال | *أزمة القراءة التي لا تنتهي* ✍🏻بقلم /عهود المعمري



صوت صحم للاعلام
10-30-2018, 06:25 AM
#مقال | *أزمة القراءة التي لا تنتهي*
✍🏻بقلم /عهود المعمري

منذ أن كنا صغارًا لا تتجاوز أعمارنا البضع سنوات ونحن نستمع إلى عبارة "أمة إقرأ لا تقرأ"، كبرنا وهذه المقولة عششت في أدمغتنا وغزلت خيوطًا عنكبوتية أشد سماكة من تلك الموجودة في منزل جارنا المهجور، "أنتم لا تقرأون ولا تعيرون القراءة أهمية تذكر.. جيل متعب لا يقرأ.. جيل لا يهتم سوى باللعب والتسلية ومضيعة الوقت"، عبارات لطالما صرخ بها معلمونا في وجوهنا طوال السنوات التي قضيناها على مقاعد الدراسة، أتأمل الآن الكتاب في حقيبتي والذي يختلس النظر نحوي وأتسائل: هل نحن فعلا لا نقرأ؟
لا يختلف إثنان على أهمية القراءة ومدى ضرورة وضعها في مقدمة سلم أولوياتنا الحياتية، ومع الأسف لا يبدو بأن القراءة تنال ما تستحقه من إهتمام، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها مهملة بتلك الطريقة التي صوروها لنا منذ أن كنا صغارا، فإذا كنا لا نقرأ حقا ترى من يملأ قاعات معرض الكتاب ويزدحم من أجل إقتناء قائمة الكتب التي تفوقني طولا في بعض الأحيان، مما لا شك فيه بأن نجاحات معارض الكتاب المقامة سنويا في العاصمة هي أكبر دليل على أن أمة إقرأ تقرأ في حقيقة الأمر.

في أحد التجمعات، والتي لا نفعل شيئا فيها سوى تضييع الوقت وتسويفه كما يخبرنا آبائنا، طرحت إحداهن تساؤلاً غريبًا حول نشأة الأرض، اهتز التجمع آنذاك بفلانة وفلانة، ورغم أننا لا نبت للفيزياء بصلة، إلا أن كل واحدة شرحت نظريتها ووجهة نظرها حول الموضوع، مستدلات بكتب النسبية ومقالات الإنفجار العظيم ونظرية السديم وما إلى ذلك، هالني المشهد حقا، خصوصا حينما قامت احداهن بتفتيش هاتفها لإقتباس عبارة كانت قد دونتها بعدما قرأت أحد كتب الفيزياء رغم أنها تكره الفيزياء في حقيقة الأمر، إنتهى النقاش ولم تنتهي وجهات النظر، كان الحوار مثريا بحق، ومازالت أمة إقرأ لا تقرأ على حد قولهم.

الإنتظار ممل جدا، ولا طاقة لأحد به، ولكن قاعات الإنتظار الآن قلما تخلو من مكتبة صغيرة وضع بها بضعة كتب أو مجلات أو مطويات، وترى البعض يدلي بيده يفتش عن كتاب ريثما يحين دوره، ناهيك عن أولئك الذين سبق أن استعدوا ووضعوا كتابا في حقيبتهم لأمثال المواقف هذه، الباصات التي تقطع أشواطا طويلة، ركابها يقرأون، أو ذلك ما رأته عيني حتى الآن، والمطار يزدحم بالمارة الذين يحملون معطفا وكتاب باحثين عن قهوة حارة يحتسونها وهم يقلبون الأوراق، ومازالوا يقولون نحن لا نقرأ!

هناك وجه آخر لأزمة القراءة هذه، فهل ما يتم طباعته ونشره من مؤلفات وكتب تلعب دورا في عزوف البعض عن القراءة؟ لا يمكنني إجابة هذا السؤال تماما لقلة خبرتي ولكن، أصبح نشر الكتب الآن أسهل من ذي قبل، ويالكثرتهم أولئك الذين كتبوا سطرا ثم سطرين ثم يهرعون لإصدار كتاب مدونٌ اسمهم على غلافه، بلا خبرة كتابية ولا نقد كتابي، ثم يصرخون، يبكون ويهاجمون العامة ويصفونهم بإنعدام الثقافة والذوق القرائي ويعودون لترديد أمة إقرأ لا تقرأ، مهلاً يا أصحاب، هل حقا أريد قراءة كتاب لشخص نشر كتابه لكي يكتب "الكاتب فلان" أعلى صفحته المزركشة في تويتر.

ختاماً، أزمة القراءة موجودة، لا أنكر ذلك، ولكنني لست ممن يتهمون هذا الجيل الصاعد بعدولهم عن القراءة، فالأمثلة واضحة وجلية أن القراءة ماتزال موجودة وإن اختلفت أشكالها وتعددت صورها، ينبغي لنا الآن أكثر مما مضى أن ننمي بذرة القراءة لا أن نتسابق في إعلان موتها وهي لم ترى النور بعد، لنتوقف عن أمة إقرأ لا تقرأ ونستبدلها بأمة إقرأ مازالت تقرأ.

http://www.sahmawi.com/]http://www.sahmawi.com/do.php?img=7633[/url]