المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال.. // معالجة الأخطاء بقلم .. // محمد بن حمد البادي



صوت صحم للاعلام
09-29-2018, 09:41 PM
مقال.. // معالجة الأخطاء
بقلم .. // محمد بن حمد البادي

قدم أحد الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلم منه أمور الإسلام، فكان مما تعلم: التحميد عند العطاس وتشميت العاطس، فدخل ذلك الرجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى الصلوات، وأثناء ذلك عطس رجل من القوم فحمد الله، فسارع ذلك الاعرابي بتشميته رافعًا بها صوته ، فرماه الناس بأبصارهم، فجعل ينظر إليهم بتعجبٍ واستغرابٍ وهو يقول: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلى ! فجعل الناس يضربون بأيديهم على أفخاذهم ليسكت، فسكت، كل هذا يحدث وهم في الصلاة ،، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة دعاه، فقال له عبارات حانيات ملؤها الرفق والعطف، فأثر هذا التوجيه النبوي بهذا الرجل فقال: بأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما زجرني، ولا ضربني، ولا شتمني إنما قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن))

إن علاج الخطأ بالطريقة السليمة مؤذن بتقليل تلك الأخطاء وعدم تكرارها، وفي المقابل فإن الخطأ في علاج الخطأ ربما يؤدي إلى نهاية مؤسفة بين المخطئ ومن يعالج الخطأ، أو ربما كان الخطأ في التوجيه سببًا في إصرار المخطئ على ذلكم الخطأ.
إن الغلظة في تصحيح الخطأ قد تعكس أثرًا سيئًا في نفس المخطئ فتكون سببًا في إصراره على خطئه، وقد تزيده نفوراً، فطبيعة النفس البشرية تأنف الحدة في النصح والتوجيه ، ولا شك أن الكلمة القاسية في العتاب لها كلمة طيبة مرادفة لها تؤدي المعنى نفسه ولذا كانت الكلمة الطيبة صدقة:
قال الله تعالى : ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾،
وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾.

ولا شك أن اقتناع المخطئ بخطئه وتركه له عن قناعه من أفضل السبل في علاج الخطأ واجتثاثه من جذوره. لذلك يجب إزاحة الحاجز الضبابي عن عين المخطئ ليدرك أنه على خطأ ، فلربما في ذلك الموقف لم يفرق بين الصواب والخطأ، ولم ينتبه لخطئه، فكيف نوجه له لوم مباشر وعتاب قاسٍ وهو على قناعةٍ تامةٍ أنه مصيب؟!

ذات يوم وجد الحسن والحسين ـ سبطا النبي صلى الله عليه وسلم ـ رجلا لا يحسن الوضوء.. فقال له الحسن: يا عمّاه ، أخي هذا يدّعي أنه يتوضأ أحسن مني ، وأنا أقسم أنني أتوضأ كما يتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ، فانظر إلى وضوئه ووضوئي واحكم بيننا ، ثم قل أينا يتوضأ كما يتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم.
فجلس الحسن وتوضأ ، وأسبغ الوضوء وأحسنه.. والرجل واقف ينظر إليه في دهشة.. ثم جلس الحسين وتوضأ مثل أخيه، فأسبغ الوضوء وأحسنه. عندها قال الرجل: والله إني لا أجيد الوضوء كما تتوضآن.

أنظر إلى هذا الأسلوب الرائع والمهذب من الحسن والحسين رضي الله عنهما في التعامل مع الموقف.. لم يسخرا من الرجل لأنه لا يحسن الوضوء،، ولم يزدرياه ولم يحرجاه.. وهذا بلا أدنى شك،، درس بليغ لمن أراد الأمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، وقد قيل: القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، فلن تستطيع أن تفتح عقول الناس بالبيان، قبل أن تفتح قلوبهم بالإحسان.

إن الخطأ وارد من كل الناس، والوقوع فيه مشكلة، لكن المشكلة الأكبر هي علاج هذا الخطأ بطريقة خاطئة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً،، فيحدث الفساد من حيث يراد الإصلاح، وقد لا يكتشف فداحة خطئه إلا بعد فوات الأوان.

فقد يحاول الأب مثلاً علاج خطأ ما وقع فيه أحد أبنائه، فيتصرف معه ـ دون قصد ـ تصرفاً غير صحيح فيتسبب في تفاقم المشكلة وتعقيدها لا في حلها، وقد لا يظهر ذلك للأب إلا بعد حين.. وقد يتسبب مدرس مثلاً في كراهية التلميذ للمدرسة أو للمادة التي يقوم بتدريسها ذلك المعلم بسبب أسلوبه في علاج أخطاء هذا التلميذ، وقد يتسبب أسلوب الزوج تجاه زوجته المخطئة إلى هدم بيت الزوجية، وتشريد الأولاد.

إن الجميع يدرك أن من البيان سحراً, فلماذا لا نستخدم هذا السحر الحلال في معالجة الأخطاء؟
فمثلاً حينما نقول للمخطئ: ”لو فعلت كذا لكان أفضل."، “ما رأيك لو تفعل كذا؟.."، ”أنا اقترح أن تفعل كذا.. ما وجهة نظرك؟”.
أليس ذلك أفضل من صراخنا في وجهه تقريعاً وتأنيباً : ”يا قليل الأدب”، ”يا عديم التهذيب”، ”ألا تسمع؟”، ”ألا تفهم؟”، ”أمجنون أنت؟.. كم مرة قلت لك؟”

.. فرق شاسع بين الأسلوبين.. بل لو خيّرنا أي الأسلوبين نحب أن يقال لنا، فلا شك أننا سنختار الأول،، فلماذا لا نستخدمه نحن أيضاً مع الآخرين؟!
وتذكر دائماً أنه يجب عليك أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((.. لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ..)) ،،


http://www.sahmawi.com/do.php?img=7203 (http://www.sahmawi.com/)