المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العيد .. أسرار مكنونة بقلم: سلطان القاسمي



صوت صحم للاعلام
08-19-2018, 08:20 PM
العيد .. أسرار مكنونة
بقلم: سلطان القاسمي
في العيد للعاقل وقفة جلية للتبصر بالآمال وحراستها، وفلسفة الحياة وحقيقتها، والعيد محطة عبادية ألبسها الباري عزوجل ثوب الفرح واليسر والمودات، وكساها رداء الألفة والمحبة والتزاور والتسامح، وهو النافذة التي نطل منها على ما مضى، وعلى الافق القابل في المستقبل العجول المتربص بأهدافنا وخطواتنا والناظر في هممنا وإقدامنا، أجل هذا العيد فارقه فلان وفلان، وكانوا يرقبون لمشهده، لكن الأجل لايجامل فأخذهم إلى رب غفور رحيم، وها نحن نشهد هذا العيد ونفوسنا ما تزال تترقب القابل الأجمل وما ندري هل نشهد تلك الأيام أم لا.
هل جمال العيد يتلاشى على مر الزمان؟ وهل المشاعر العفوية الصادقة تقل بين الأفراد؟ ولم هذا الحنين إلى شكل العيد الذي مضى من سنين؟ هل كان العيد مختلفاً؟ أم أننا نحن كنا مختلفين ومميزين وأكثر جمالاً وألفة؟ ما الذي تغير؟ أليس العيد لبث الفرح والسرور، والخروج من دائرة الجمود والانكماش والإنغلاق إلى التغيير أو على الأقل الشعور بالتغيير أو الاحتفال بالتغيير؟ فما التغيير الذي أحدثناه في نفوسنا، ولمَ ما تزال قلوبنا تتحايل على التغيير، وتتردد في المحبة والتسامح والسلام؟
أعتقد أن السر يكمن في فهمنا لطبيعة الحياة أولاً، ثم في قصور ذاك الفهم عن إدراك مراد الله لنا في الحياة، وهذا سر اندفاعنا الى التمسك بجميع الفانيات والتفريط بالباقيات الصالحات، لأننا ننظر تحت أقدامنا وفي زوايا جيوبنا، دون أن ننظر إلى مدخراتنا وأرصدتنا التي نلجأ إليها يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
مما أذكر في أعيادنا السابقة هو الفرح الغامر الذي يكسو وجوه الناس لمقدم العيد ومقدم زواره، وصلة الارحام، وصفاء القلوب والتغافر والتعانق والتكبير، لقد كان الفرح ليس حكرا على صغير يتلقى "عيدية" من عمه أو خاله، لقد كانت فرحة يعيشها الكبار من قلوبهم، فرحين بما آتاهم الله من فضله من صيام وقيام ولو بمعرفة بسيطة لكنها النيات الطيبة والأمل الكبير بالله العظيم، ثم طيبة النفوس التي تربى الناس عليها، والقيم الاجتماعية العالية التي ترعرعوا فيها من تقدير واحترام وتكافل، لهذا كانت فرحة العيد مميزة، ويمكن أن تعود، نعم مثلما كانت يمكن أن تكون، لكن علينا أولاً أن نفطن إلى حسن ما كنا فيه، فنحييه، وننظر إلى سوء ما نحن فيه، فنلغيه، والحسن بالتحسن والقبح بالتقبح، فكلما تحرينا الحسن والايجابية صرنا كذلك، وكلما استسلمنا للقطيعة والتفرق ودعوات الانزواء صرنا كذلك ايضاً، فقلوبنا مضغة لينة، نحن من نسكب عليها سائل التصلب لنجعلها جامدة لاتتحرك، ونحنكذلك من نرويها بماء التسامح والمحبة لتنتعش وتزهر من جديد.

قال الشاعر السيد مصطفى جمال الدين:
يا عيدُ عرِّجْ فقد طالَ الظّما وجَفَتْ *** تِلكَ السنونُ التي كم أيْنَعَتْ عِنَبـا
يا عيدُ عُدنْـا أعِدْنا للذي فرِحَتْ *** به الصغيراتُ من أحلامنا فخبـا
مَنْ غيّبَ الضحكةَ البيضاءَ من غَدِنا *** مَنْ فَـرَّ بالفرحِ السهرانِ مَنْ هَربَا
لم يبقَ من عيدنا إلا الذي تَرَكَتْ *** لنا يـداهُ ومـا أعطى وما وَهَبـا
من ذكرياتٍ أقَمنا العُمرَ نَعصِرُها *** فما شربنا ولا داعي المُنى شَرِبـا
يا عيدُ هَلاّ تَذَكرتَ الذي أخَـذَتْ *** منّا الليالي وما من كأسِنا انسَكَبا
وهل تَذَكَّرتَ أطفالاً مباهِجُهُـم *** يا عيدُ في صُبْحِكَ الآتي إذا اقتربا
هَلاّ تَذَكَّرتَ ليلَ الأَمـسِ تملؤُهُ *** بِشْراً إذا جِئْتَ أينَ البِشْرُ؟..قد ذَهَبا

هذا العيد وهذي حقيقة علاقتنا معه، فهي علاقة ضاربة الجذور في أعماق العبادات والقربات، وليس عيداً للعامل أو للموظف أو للمرأة أو حتى الأم، هو عيد تتجمع فيه قدسية المناسبات، وروحانية الأعمال، ونفاسة العطاء، ونية صالحة لقبول الطاعات، بمعنى أن العيد سكينة ربانية يبعثها الله لتأنس النفوس بعد محطة عبادية، تليها محطة أخرى وهي الاستقامة على البداية الصحيحة، لتتلوها محطة عابرة للقارات تتجمع فيها جميع الفئات لتلهج بالثناء والدعاء، لبيك اللهم لبيك، ثم يغمرنا العيد الكبير، وهذا هو العيد الذي تفسره سنن الله وأوامره، وليس العيد الذي تفرقع فيه البالونات على حساب علاقتنا الجافة، فالله تعالى لاينظر إلى ألواننا ولكن ينظر إلى أفعالنا وقلوبنا ومحبتنا وتواصلنا وتغافرنا.. هذا هو محل نظر الله تعالى، وهذا هو الفرح الحقيقي الذي نحتاجه اليوم نحن العرب والمسلمين.
ومن أجمل ما قيل في العيد هو قول الطنطاوي رحمه الله تعالى: العيدُ بدون تسَامُحٍ وتصَافُحٍ, مُجرّد ورقةٍ في التّقويم، وقول أحد الحكماء: السعادة التي تضعها في جيوب الآخرين، ستعود يوماً؛ لتختبئ في جيوبك عندما تحزن.
ويقول محمد بن سعد المشعان:
والعيد أقبل مـزهوًا بطلعته
كأنه فارس في حلة رفـلا
والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم
كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا
فليهنأ الصائم المنهي تعـبده
بمقدم العيد إن الصوم قد كملا

وفي الختام أذكر نفسي وإياكم بشمائل العيد الأصيلة من بر وتواصل وصلة أرحام وتزاور وتسامح، لكي يكون العيد أجمل وأبهى وأحلى، ولنتذكر أحباباً لنا فارقونا وتركوا وراءهم ايتاماً لندخل على قلوبهم السرور، ومن أدخل السرور على قلب عبد حق على الله أن يسره يوم القيامة..
تقبل الله منا ومنكم ... وكل عام وأنتم بألف خير..


http://www.sahmawi.com/do.php?img=6839 (http://www.sahmawi.com/)