المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : *بين عامين.. ماض وآت* ✍🏻 بقلم : سلطان بن محمد القاسمي



صوت صحم للاعلام
07-12-2018, 09:28 PM
*بين عامين.. ماض وآت*

✍🏻 بقلم : سلطان بن محمد القاسمي


مع رحيل كل عام وإطلالة عام جديد، تقفز إلى الذهن تساؤلات مهمة وخطيرة، هل أن ما مضى مضى وانتهى، أم أنه بقي مدخرا في النفس وتطلعاتها وآفاقها؟ وهل ما مضى مضى بما أردنا وتمنينا، أم أنه مضى ولم نحقق مما رغبنا شيئا؟ وتكمن أهمية هذه التساؤلات لكون الإنسان مجموعة أيام، فإذا مضى يوم مضى بعضه، فكيف وقد مضى عام، ومن قبله أعوام عديدة؟ ولايدري المرء هل له في قابل الأعوام من عام؟
هكذا فالأيام من تكوينة الأعوام، والأعوام هي تكوينة العمر، وللإنسان أن يتوقف متسائلا عما قدم وادخر، وعما فاته واندثر، وماذا أعد للقابل من الأيام من الهمم والعبر، ومن الإقدام والظفر، ويستفيد مما أخطأ وأساء، ويزيد فيما أحسن وأجاد، ويتفكر في استثمار العمر، لا ضياعه، واقتناص الفرص، لاهدرها، فان ما من عام يمضي إلا وقد نخسر فيه مالا جمعناه، أو حبيبا رافقنا ورافقناه، أو صاحبا جمعتنا به الأفراح والأتراح، أو هدفا وضعناه فأضعناه، أو أننا كسبنا فيه رفقة صالحة، ومعلومة جديدة، وإضافة في الحياة مميزة، وشهادة أكاديمية أخرى، لنستقبل عاما جديدا نكسب فيه مالا جديدا، ورفيقا أنيسا، ونشد على أهداف كادت أن تضيع لنسعى في تحقيقها عن ايمان وإصرار، فما مضى في العام، يمكن لأصحاب الارادات والخطوات الواثقة أن يستعيدوا الجميل، ويردوا المميز، فيملأوا بها عامهم من جديد، ويحققوا منها المزيد، ما دامت للمرء عزيمة واع، وشجاعة مقبل، وسعة صدر كبير ومملوء.
نعم هناك أمور مضت، لكنها لن تموت، وهناك أمور تفلتت من يديك، والمستقبل كفيل بعودتها لمن كان له قلب وعقل رشيد، فكل ما في الكون من اشياء تمضي هي بإذن الله إما أن تعود بآجال جديدة، أو تعود بأثواب أخرى، فما دامت الحياة، فثم الأمل، وقد سئل أحد العلماء، لو أعلمت أنه لم يبق من عمرك إلا ساعة، ماذا كنت تفعل بهذه الساعة؟ فقال: أطلب العلم. فهذا رجل يعرف ما يريد، ويدري أنه يدري، فهو يمضي على بصيرة من أمره، ودراية من دنياه، فلم يضيع أيامه بالتسويف، فكانت بداهته حاضرة الإجابة، ولم تغب عنه أهدافه. وقد قال الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما.. فالحياة كما عبر عنها الشاعر العربي دقائق معدودة:
دقات قلب المرء قائلة له ........... إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها........... فالذكر للإنسان عمر ثاني

والإنسان العاقل من يغتنم هذه الدقائق والساعات قبل أن تمر، كما قال الشاعر:
إِذا هَبَّتْ رياحُكَ فاغتنمْها *** فعُقْبى كلِّ خافقةٍ سكونُ
وإِن دَرَّتْ نياقُكَ فاحتلبْها *** فما تدري الفَصيلُ لمن يكونُ
ولا تغفلْ عن الإحسانِ فيها *** فما تدري السكونُ متى يكونُ

ثم ماذا زرع أحدنا في عامه الذي مضى، وماذا جنى، وماذا ادخر! وهل أن أيامنا تشابهت فنعد من المغبونين؟ فكيف إذا تشابهت أعوامنا! بل وكيف إذا كان الماضي أفضل من القابل، لاشك إنها لخسارة ما بعدها خسارة.
إنك إن نظرت إلى الماضي فعرفت أنك فقدت حبيبا أو قريبا، فهي إشارة بأن الدنيا تجمع وتفرق، وتقرب وتبعد، لكن يبقى صدق المودة وعبيرها هو الأصل الذي يحتكم إليه الحاضر أمام الماضي، لأن الجمال يبقى، والمودة أنقى، والعام الجديد أرض بكر لتروي فيها ما ذبل، وتجني فيها بعض ما زرعت، وتنمو فيها الباسقات ذات الثمر النضيد، وتواصل مسيرة محددة الاهداف واضحة الخطوات، مدركة الأبعاد، وإلا فيجب أن ترتسم في ذهن كل إنسان صورة لنفسه بين الناس، فيسعى لتعزيزها وهو يستقبل عاما ويودع عاما.
والآن هل خططنا لإدارة حياتنا طيلة الأعوام الماضية، إن لم نكن فعلنا، فلنفعل، ولانكثر على الماضي التأسفا، ولنأخذ بأيدي بعضنا بعضا، ونتعاضد في شروع سفينتنا الواحدة، وأن نكون لبنات التشييد في سور مجتمعنا، وذواتنا، ودولتنا، وأن نستقبل عامنا الجديد بروح وثابة، وإرادة قوية صلبة، وعزيمة تصمد للعاديات، وتصد الغازيات، وتقي بلادنا فتن الحروب والكربات، وهذا كله يتوقف على حسن إدارتنا للوقت، والوقت هو الحياة، فالإخفاق في إدارته إخفاق في إدارة الحياة، وسيكون شأن الفاشل فيه عبئا على نفسه وأهله ومجتمعه، وسيكون هو أول من يشكو من ضيق الوقت، ليعبر عن فشله بأنه لم يكن لديه الوقت.. بينما هو هدر الوقت وذبحه، وكل شيء يمكن أن يعوض إلا الوقت، فهو الفقيد وإلى الأبد، ولن تستعيض عنه إلا بمضاعفة الجهد والعطاء والانجاز، والعناية بالدقائق - كما قيل- عناية بالساعات، والعناية بالساعات عناية بالعمر كله، وإلا فالخسارة لاتعوض.. ولاعزاء بعد ذلك إلا بالهمم العالية.. والتخطيط السليم.. والهدف الواضح ، لرؤية سامية المبتغى والمقصد.
تقول الدراسات الحديثة إن الإنسان الذي يعرف كيف يستغل وقته في أعمال مفيدة ونافعة، يكون أكثر سعادة من أولئك الذين يضيعون أوقاتهم من دون فائدة! فالسعادة مرتبطة بما يقدمه المرء من أعمال نافعة، وهذا ما أكده أيضا علماء النفس من أن معظم الأمراض النفسية تنشأ نتيجة عدم الرضا عن الواقع، وهذه المسألة تسبب مشاكل نفسية وآلام لا تقل عن الآلام العضوية، والنجاة من ذلك هو أن يحرص المرء أن يكون غده أفضل من يومه، وعامه الآتي افضل من عامه الذي مضى.
فاحزم أمرك، وخذ مما مضى أجمله، وزد في تحصيل النجاح، واعتبر مما ضيعته، ولاتنكسر عند أعتابه، فبين يديك الآن ولادة عام جديد وأيام جديدة، فكن في ركب الطامحين، والقاصدين للعليا سببا، ولاتصحب الكسالى، وعبيد اللهو والضياع، فكن للجديد جديدا.. وللشموخ صاحبا ورفيقا.. وابدأ عامك بارتقاء وإصرار وطموح.

[url=http://www.sahmawi.com/]http://www.sahmawi.com/do.php?img=6550[/url