المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قطار العمر.. بين الانتظار والاستثمار (2) بقلم : سلطان بن محمد القاسمي



صوت صحم للاعلام
05-16-2018, 04:33 AM
قطار العمر.. بين الانتظار والاستثمار (2)

بقلم : سلطان بن محمد القاسمي

ليس استثمار الوقت مقصورا على ساعات العمل والوظيفة، هناك ساعات كثيرة تمر من بين أيدينا في المنزل والجامعة وحتى أثناء صحبتنا لعوائلنا وأصدقائنا، بل حتى النوم في وقت النوم والحاجة إليه هو استثمار لطاقة الانسان في بذل الافضل بعد أن يعرف عن سبق إصرار ترتيب أولوياته ليجعل ساعات النوم وقت راحة وتزود بالطاقة، واسترخاء لبداية جديدة، لا ارتخاء عن الانجاز.

لا اشك لحظة أن ثقافة استثمار الوقت هو استثمار العمر وفي الوقت نفسه هو استثمار للانسان والذي هو أغلى كنز في الحياة، وهذا الاستثمار يحتاج إلى إرادة التاجر الخبير، وعزيمة الجندي الباسل، ومثابرة الطالب المجد، ليس من الجهد البدني أو الفكري، إنما من جهة الوعي والتخطيط والإدراك، فلكي يكتمل بدر الاستثمار يحتاج المرء أن يشعر بالمتعة وهو يضع لنفسه جدولا لاستثمار ساعات عمره ويومه، وجميل هو ذلك الاحساس بالانجاز وهو يقطع الساعات فيها ولو كان الانجاز فيها قليلا، لكن الأجمل فيها أنه انجاز لايتوقف، ولك أن تتخيل هذا الانجاز المتراكم ماذا سيكون بعد ايام وشهور وسنوات، بكل تأكيد تحقيق الأهداف بمتعة وسرور وبهجة.

نحن أو أهلنا نقضي في المنزل ساعات كثيرة، يمكن لهذه الساعات أن تكون ساعات شعور بالانس والسعادة بمجرد وضعها في خطة استثمار منطقية، لاسيما إذا تضمنت الاهداف الكبيرة اولا، ثم المنجزات اليومية التي تشعر المرء بالسير الحثيث نحو تحقيق تلك الأهداف، ولن أزعم أن الامر بهذه السهولة إلا إذا كان هناك قرار شخصي باستثمار الوقت.

أعجبني ذات مرة صاحب لي وضع جدولا لأولاده وعلقه على جدار البيت، منحهم فيه الكثير من الوقت للراحة، لكنه وضع فيه ساعات تزود بالمعرفة من مطالعة للقصص الهادفة أو زيارات مقصودة، وفتح لهم ساعات أخرى للعب والدراسة، فكان اولاده بمجرد أن ينظروا إلى الجدول يهرعون الى الالتزام بمضمونه دون تدخل منه، فهو لم يكن يريد أن يقيدهم بساعات معينة بقدر ما يسعى الى تنمية حس الانتظام والاستثمار في ساعات اليوم الكثيرة. وأكثر ما أعجبني في جدول صاحبي أنه اقتصر أولا على الأمور الهامة جدا جدا، لئلا يشغل أولاده بالتفاصيل عن الامور العظيمة، وهذا من حسن تدبير صاحبي وفهمه لإستثمار الوقت لئلا يضيع الوقت سدى.

ولعل أغلبنا يتذكر الفكرة المعبرة التي قام بها أستاذ جامعي لبيان أهمية تنظيم وإدارة الوقت أمام الطلبة، حيث وضع الأستاذ دلوا على طاولة ثم أحضر عددا من الصخور الكبيرة وقام بوضعها في الدلو بعناية، واحدة تلو الأخرى، وعندما امتلأ الدلو سأل الطلاب: هل هذا الدلو ممتلئا ؟ قال بعض الطلاب: نعم، ثم سحب كيسا مليئا بالحصيات الصغيرة من تحت الطاولة وقام بوضع هذه الحصيات في الدلو حتى امتلأت الفراغات الموجودة بين الصخور الكبيرة، ثم سأل مرة أخرى: هل هذا الدلو مملتئ؟ فأجاب أحدهم: ربما لا، استحسن الأستاذ إجابة الطالب وقام بإخراج كيس من الرمل ثم سكبه في الدلو حتى امتلأت جميع الفراغات الموجودة بين الصخور، وسأل مرة أخرى: هل امتلأ الدلو الآن؟ فكانت إجابة جميع الطلاب بالنفي. بعد ذلك أحضر الأستاذ إناء مليئا بالماء وسكبه في الدلو حتى امتلأ، ثم قال لهم: هذا المثال يعلمنا أنه لو لم نضع الصخور الكبيرة أولا، ما كان بإمكاننا وضعها أبدا.. الصخور الكبيرة هي هدفك في هذه الحياة، فتذكروا دائما أن تضعوا الأهداف الكبيرة أولا .. وإلا فلن يمكنكم وضعها أبدا ..

وبما أن الوقت هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن إيقافه أو التحكم به، إلا أننا بإمكاننا إدارته وهو يجري، وتقول الدراسات الحديثة إن الإنسان الذي يعرف كيف يستغل وقته في أعمال مفيدة ونافعة، يكون أكثر سعادة من أولئك الذين يضيعون أوقاتهم من دون فائدة، وهذا يعني أن الشعور بالرضا والسعادة يكمن في استثمار الوقت وعدم إضاعته بلا جدوى.

ولنا أن نوجز - وإن كان يتسحق التفصيل- بعض الاستراتيجيات الأساسية في استثمار الوقت قبل أن يمضي قطار العمر، وهذه الاستراتيجيات تتمثل بوجود خطة وأهداف واضحة حاضرة في الذهن، فضلا عن ضرورة متابعة هذه الخطة بالتدوين والملاحظات والتعديلات، والاستفادة من الأخطاء، والاصرار وعدم التواني عند أول فشل ولا حتى ثاني فشل، ومن الاشياء الأساسية في الخطة هو ترتيب الأولويات، اي وضع الاهداف الكبيرة، ورصد الجهد الأكبر لها، وعد هدر الطاقة في تفاصيل تنحت العمر وتقضمه، دون فائدة مرجوة. بعد وضع هذه الاستراتيجيات سيكون التفكير في تحقيق الهدف هاجسا ملازما للمرء، وهذا هو المطلوب، ليجد نفسه مضطرا أن يضع نفسه في الطريق الذي يوصله الى ذلك الهدف، أو هدف من جملة أهداف. ومن الاشياء الاساسية الاخرى هو وضع جدول بالاهداف توضع فيه السقوف الزمنية المتوقعة، وتستمر مع ذلك عمليات المتابعة والملاحظة والتقييم والتقويم، لكن أعود واذكر ضع أولا اهدافك الكبيرة، ولاتنشغل بالتفاصيل التي تهدر الوقت دونها.

http://www.sahmawi.com/do.php?img=6059 (http://www.sahmawi.com/)