المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : #مقال | بين النقد والانتقاص.. بقلم: سلطان بن محمد القاسمي



صوت صحم للاعلام
04-22-2018, 07:52 AM
بين النقد والانتقاص..

بقلم: سلطان بن محمد القاسمي

هناك اختلاف بيّن بين النقد والانتقاد أو ما أسميه الانتقاص، فالنقد هدفه نبيل مرغوب، أما الانتقاد فهدفه النيل من الآخر وتثبيطه، فالانتقاد أو الانتقاص هو وسيلة الفاشلين والحاسدين والذين يشعرون بالنقص والعجز والتقهقر، وهو في أحد جوانبه تطاول و(قلة أدب)، وهو ضحالة ثقافية أو فكرية، أو هو ردة فعل عاطفية منحازة للذات وليس للسلوك، وربما لاينسى أحدنا أيام الدراسة الأولى حينما كان هناك صنفان من المعلمين، أحدهما يعلمك بطريقة هادئة ولاتشعر معها بالذنب، وتستفيد منه أكثر مما تستفيد من الصنف الثاني والذي ما إن تخطأ حتى يصرخ ويلوح بعصاه وربما يؤنب ويشتم. وبعد أن كبرنا وكبر كل شيء فينا بقي هناك جزء صغير فينا لم نوله اهتماما كبيرا ولم نتلق جرعات كافية من ترياقه، حتى ظل قزما وصرنا عنده عمالقة، ألا وهو نظرتنا (وروحيتنا) تجاه النقد البنّاء لا الهدام.
وبشكل عام لا أظن أن الغالبية تستريح للنقد وإن كان بنّاءً، بغض النظر عن الأسلوب الأمثل في توجيه النقد، فالثقافة المجتمعية على وجه العموم تستنكر بيان الجوانب السلبية أو التي تحتاج إلى لبنة أجمل ولون آخر، بل يمكن أن أزعم أن هذه الغالبية لاتطيق النقد حتى لو كانت البدايات بذكر الإيجابيات والجماليات، مادامت هناك سلبيات تذكر بعدها.
ولكون النّقد وصفاً للسلبيات والإيجابيات بطريقة علمية وموضوعية القصد منها ليس البيان وحسب وإنما التّصحيح والتّصويب للأخطاء والاستمراريّة والتشجيع للنجاحات إلا أن الثقافة العامة لبعض الأفراد لاتستسيغ النقد حتى بهذه الصورة اللطيفة والنافعة، وهذا يعود إلى البنية الثقافية للأفراد والتي هي بلاشك تختلف من مجتمع لآخر، ومن دولة لأخرى.
والأسوأ من ذلك كله، هو استغلال فسحة النقد للانتقاد، وفسحة الإصلاح للتطاول، وفسحة الصمت للثرثرة، نعم كل ما حولنا بدءا من ذواتنا هو بحاجة إلى نقد وتقييم وتقويم مستمر، لكن فرق بين أن يأتي في قالب البناء والجمال وأن يأتي في قالب من الاستياء والنكران والهجومية، فرق بين ذلك الانسان الذي يصنع بصمة صلح وتشجيع وتعليم في مؤسسة ما، وشخص آخر ينمُّ ويشوش ويبعثر ما هو ملتئم وجميل بحجة نقص صغير. وما زلنا نذكر تلك القصة الرمزية للدب الذي اراد أن يخلص صاحبه من ذباباة وقعت على أنفه، فأخذ صخرة كبيرة فألقاه على أنف صاحبه بحجة قتل الذبابة، فقتل الذبابة وقتل صاحبه!
ومثل ذلك اليوم صار كثير من العرب يعجبه نقد الآخرين (والمهم أن لايوجه إليه نقد)، ويعجبه صراخ بعض الناصحين، ولذاعة بعض الناقدين، سباب بعض الواعظين، وعلى ذلك صارت أحكامنا تميل حيث علو الصوت وكثرة الشتيمة، فيقول أحدنا هذا مدرس حازم، وهذا كاتب شجاع، وهذا خطيب بارع ليس لأن أحدهم أجاد النصح بالتقوى أو أن أفاض وأحسن في وصف موقف نبوي أو ديني جميل، أو أنه نبه إلى مواطن الخلل في مجتمعنا، أو سلوكنا، بل لأنه يصرخ وينتقد ويعيب.
ولهذا من المهم أن ينتبه الناصح أو الناقد إلى سلسلة العمل المتواصل والجهود المبذولة والابداع ولو كان على فترات متباعدة عند الناس وفي المؤسسات وغيرها، وأن ينظر إلى ذلك كله بعين الحب والنصيحة والإشادة، ويبني على ذلك أسلوبه في النقد ليكون بنّاءا وجميلا.
فهل نحتاج في مناهجنا التعليمية جرعة أخرى في فهم وبناء عملية النقد ليُقبل بحسن نية ويمنح بحسن طوية؟ وهل يعي القائمون على المؤسسات - كل المؤسسات- *أهمية بناء هذه الثقافة ثقافة تقبل النقد وطريقة عرضه؟ فرسالتي لكل ناقد .. انقد ولكن بالتي هي أحسن، وأخلص في نيتك، فإنما الأعمال بالنيات.

http://www.sahmawi.com/do.php?img=5453 (http://www.sahmawi.com/)