المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال // (( .. في بيتنا مكتبة .. )) بقلم.. // محمد بن حمد البادي



صوت صحم للاعلام
03-13-2018, 09:23 PM
(( أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ // وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمانِ كِتابُ ))
قالها أبو الطيِّب المتنبِّي، يوم كان للأدباء والشعراء دورٌ في التَّوجيه والنُّصح، ويوم كانت لغتنا العربيَّة الجميلة لغة العصر، ولمُجيدها ( خطابةً، ونثرًا، و شعرًا) مكانةٌ مرموقةٌ في المجتمع، ويخطبُ ودَّه عِلْيَةُ القوم... قالها في عصرٍ كان اقتناء الكتاب فيه ليس سهلاً بسهولة وقتنا الحالي، حيث كان الكتاب قديماً يختلف كلياً ، شكلاً ومضموناً، عن كتاب اليوم ،، وذلك يعود لأسبابٍ كثيرةٍ ، لعل أبرزها أن الكتابة كانت على أدوات بدائية بسيطة تستهلك المال والجهد والوقت ،، ولكم أن تتخيلوا كيف كان حجم كتاب واحد فقط مكتوب على الجلود والرقاع وعظام أكتاف الإبل، كم كان وزن الكتاب الواحد في عصر الحضارات القديمة ( البابلية والإغريقية والرومانية وغيرها من الحضارات) ؟؟ أضف إلى ذلك صعوبة نقل الكتاب من مكان إلى آخر أومن بلدٍ إلى بلد ،، والأهم من ذلك الصعوبة البالغة في إعادة كتابته ونشره ،، في زمن الرازي وابن حيان والمتنبي والبحتري والمعرّي والأصمعي وغيرهم ومن كان قبلهم من العلماء والشعراء والأدباء لم يتصور أشد المتفائلين أن يتم جمع آلاف الكتب في شريحة الكترونية لا يتجاوز حجمها نصف بوصة ووزنها بضعة جرامات كما يحدث الآن... فمع تطور العلم ووصول التكنلوجيا إلى ما نراه اليوم ، وبضغطة زر واحدة ، يستطيع أحدنا من نقل كمٍ هائلٍ من الكتب والمعلومات إلى أقصى بقاع المعمورة في زمن قياسي لا يتجاوز ثوانٍ معدودةٍ ،،
في الحقيقة .. لا توجد مقارنة بين الكتب قديماً وحديثاً لا من بعيد ولا من قريب،،

ومع أنَّ المركبات بمختلف مسمياتها ،المدنيَّة منها والعسكريَّة، قد حلَّت اليوم محلَّ السروج السابحة، فإنَّ الكِتاب ، سواءً كان ورقياً أو الكترونياً ،لم يزل خيرَ جليسٍ! فبالرغم مما نراه من فوضى وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، خاصَّةً ما نعيشه هذه الأيَّام، التي سُلبت فيها حرِّيتنا في القراءة؛ بسبب طغيان القنوات المرئيَّة والمسموعة ، لا يزال الكتاب هوَ الرفيق الذي لا يملّ منك حتّى تملّ أنت منه، فلا يوجد أفضل من أن تُرافق الكتاب وتقضي معهُ الأوقات التي تعود عليك بالنفع بدلاً من أن تذهب ضياعاً وهدراً بلا نفعٍ عائدٍ على صاحبه أو أثرٍ مرجوّ.

إن احتفال العالم العربي باليوم العربي للمكتبة، الذي يوافق العاشر من مارس من كل عام، يبقى مؤشر إيجابي لرفع سقف الاهتمام بالقراءة واكتساب العلم والمعرفة.. فاليوم العربي للمكتبة هو يوم من المؤمل أن تحتفل فيه الأمة العربية بنشر كتاب لكل 10 أفراد ، ولكن ـ مما يأسف له الحال ـ لا زالت الأمة العربية تحتفل بكتاب واحد لكل ربع مليون شخص، ولا زالت تحتفل بإصدار كتابين لكل 100 كتاب يصدر في دول أوروبا الغربية التي تنشر كل سنة كتابا لكل خمسة آلاف قارئ.. ولا يزال القارئ العربي ـ كما تشير جميع الاحصائيات ـ يقرأ بمعدل 6 دقائق فقط في السنة، بينما القارئ الغربي يقرأ بمعدل 36 ساعة في السنة..( لا مجال هنا للمقارنة )، كما يأتي احتفال الأمة العربية بيوم المكتبة العربية ولا زلنا في ذيل القائمة العالمية الأقل نشرا... هذا حالنا الذي يجب أن نعترف به ولا نخجل منه ،، بل الأدهى من ذلك أن يأتيك أحدهم يتشدق بمليء فيه متفاخراً بغزارة علمه، وأنه أصبح ذلك الأديب الأريب الذي شنَّفَ الأسماعَ بأدبهِ، وأذهلَ القُرَّاء بحسن بيانهِ، مُصْقَعُ القلمِ، لَبِقُ العملِ، ثَقِفٌ لَقِفٌ، كما وُصِفَ، إمامُ الأدبِ وحُجَّةُ العربِ لأنه قرأ الكتاب الفلاني أو للكاتب الفلاني ، ولم يقرأ غير ذلك الكتاب الذي اعتقد بقراءته أنه ظفر فيه بكل علوم أهل الدنيا حاضرهم وغابرهم،، لم يقرأ إلا كتاباً واحداً أو مجلة واحدة أو صحيفة طوال حياته.

إن من أهمّ مؤشرات التطوّر الثقافيّ في أي مجتمع هو مُداومة أفراده على القراءة والمُطالعة، وهذا لا يتأتّى من دون وجود مكتبة تكون بمثابة المرجع لمن أراد البحث عن معلومة، وإذا كانت هذهِ المكتبة منزليّة فهي بالتأكيد ستكون ذات أثرٍ عظيمٍ في صقل المعرفة وحبّ الاطّلاع لدى الأطفال، خُصوصاً حينما يرونها في كلّ لحظة ماثلةً أمامهم، ويُطالعون عناوين الكتب فيها صباح مساء، وهذا بلا شك سيكون لهُ أثرٌ نفسيٌ عميقٌ بمعرفة أنَّ الكتاب هوَ رُكنٌ أساسيٌّ في الحياة، وليس مُجرّد مرجعٌ عند الحاجة.

إن للمكتبة أهميّة بالغة لدى الشخص الذي تستهويه القراءة، فهي توفر جوّ مُريح من المُطالعة الحُرّة والمعرفة العلميّة والثقافيّة، وإضفاء جوّ الهدوء والسكون الذي يشعر بهِ عندَ تواجده وسط الكتب، كما أن تأسيس مكتبة منزلية في منزلك من الوسائل التي تساعد على التنمية، وتشجيع القراءة لديك ولدى باقي أفراد الأسرة ،فالطفل منذ سنواته الأولى يبدأ بحمل الكتاب المخصص لعمرهِ، فيألَف وجودهُ، ويأنس لمحتواه، ويعرفُ كيف يتعامل معه، ويراهُ كل يومٍ في المكتبة، فيصبح الكتاب جزءًا من حياته اليومية، وحين يكبر قليلًا وتكبر آماله واهتماماته وتطلعاته، تكبر وتتطور معها علاقته الوطيدة بالكتاب من خلال اقتنائه للكتب المحببة له، ذات الألوان الزاهية، والرسومات الجميلة، والمعلومات السهلة الميسرة، حتى يأتي ذلك اليوم الذي يستطيع اختيار الكتاب المفيد والمناسب له.

وتأتي أهمية المكتبة المنزلية بانها ليست فقط لتكمل ديكور المنزل وأناقته، بل هي نوع من الشعور بالاستقلال الثقافي الذاتي،، بل تعتبر جزء رئيسي من تاريخ الأسرة، تبدأ صغيرة مع العائلة الصغيرة المكونة من شخصين، ثم تكبر مع ازدياد عدد أفرادها، وتختلف محتويات كتبها باختلاف أعمارهم واختياراتهم واهتماماتهم التي تنمو معهم سنة تلو الأخرى.
إن حبّ القراءة والمُطالعة إحساسٌ داخليّ ينمو مع الأشخاص خصوصاً في السنين المُبكّرة من العُمر، وتقع مسؤوليّة ترغيب الأشخاص بالقراءة والتعلّم من البداية على الأسرة التي بها تتشكّل الشخصية الأولى للطفل، وهي النواة التي منها تتخرّج أجيال المٌتعلّمين والقارئين الّذين يبنون المُجتمع ويرفعون أعمدة البيت الثقافيّ عالياً، وهُم الرافد الرئيسيّ للحركة العلميّة في العالم، والّتي بدورها تقضي عل كلّ أسباب الجهل والتخلف والتطرّف الفكريّ الذي هوَ بلا شكّ وليد الضحالة في الاطّلاع، وضيق في الأفق والمدارك.


http://www.sahmawi.com/]http://www.sahmawi.com/do.php?img=4770[/url