المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقال الاسبوعي ليوم الجمعة بقلم الفاضل/حميد المعمري بعن*فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا



صوت صحم للاعلام
10-26-2017, 10:15 PM
المقال الاسبوعي ليوم الجمعة بقلم الفاضل/حميد بن محمد المعمري بعنوان *فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا*

إن من نعم الله علينا رزقه الدائم المستمر الذي يأتينا بغير حساب و بلا حول منا و لا قوة، رغم أن هذا الرزق و النعمة قد يكون إبتلاءً من الله عز وجلّ لهذا الإنسان في دنياه أيشكر الله أَم يكون من الجاحدين.

و مما يذكر لنا القرآن من قصصه العظام (قصة أهل سبأ) و الذين سُميت بإسمهم سورة سبأ و التي فيها قال الله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ" (سورة سبأ، الاية ١٥) أي أن منطقة سكناهم كانت آية و دلالة على جزيل عطاء الخالق لخلقه في الأرض حيث الجنان المثمرة المتصلة ببعضها البعض، حتى تبدل بهم حال النعمة التي كانوا عليها و تركوا سبب دوام النعم فقال الله تعالى في ذلك: "فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ" (سورة سبأ، الآية ١٦) فأبدلهم الله سوءً بعد حسن الحال الذي كانوا عليه و ماذلك إلا بعد أن أعرضوا عن ذكره و لم يكن لهذه النعمة أثرٌ على قلوبهم ولا لإستغلالها في طاعة الله وشكره.

و من نعم الله عليهم أن كانت اسفارهم آمنة مريحة لا خوف فيها من قطاع الطرق أو الدواب و لا من الجوع لوفرة المأكل و المشرب، لكن بطرهم على نعمة الله وحالة الملل مما سهل الله به عليهم من راحة و يسر في مختلف امورهم الحياتية و المعيشية دفعهم لأن يتكبروا و يقولوا مثلما اخبرنا الله تعالى: "فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" (سورة سبأ، الآية ١٩) وهكذا باعد الله بين اهل سبأ و شتت بينهم لينتشروا في الأرض و يكونوا مضربا لأمثال العرب في الشتات و التفرق، هكذا كانت هذه النعمة بلاءً لهؤلاء القوم و أختباراً لهم، هل يشكرون الله بعد هذه النعم أم يجدون و يكفرون بنعمة الله و إن في ذلك لآياتٍ لكل صبار شكور.

و إن من نعم الله تعالى التي يجب أن نشكره عليها ليل نهار أن منّ علينا بنعمة الأمان في هذا الوطن، ليتيسر لنا السبيل للبناء و الإعمار في أمورنا المادية و المعنوية، و إن هذه النعمةإذا حلت على إنسان فما من سبيل لإستدامتها إلا بالشكر مثلما أمرنا سبحانه "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (سورة إبراهيم، الآية ٧) و تذكرنا الآية نفسها بإمكانية زوال هذه النعمة و بالعذاب الشديد الذي يكون بسبب كفر و جحد لهذه النعمة و لفضل الله العظيم علينا.

و لنستشعر معاً عزيزي القارئ قيمة فقد هذا الأمان بأن تتخيل أن صاروخاً قد يهوي على بيتك في أي لحضة و أنت بين اطفالك هانئون في نومكم بعد عناء يوم طويل، أو أن لغماً يفجر الحافلة المقلة لطفلك إلى المدرسة، ماذا لو عشت مرارة التجنيد القسري في إحدى الجماعات المسلحة، أو هل جربت أن تعيش يومك و أنت تحت التهديد الدائم من الجوع و التهجير أو القتل و التشريد؟

الأمن هو الشعور بالطمأنينة في نفس الإنسان و المجتمع عموما و عدم الشعور بالخوف، و الأمن مرتبط دائما بالمستقبل، عرّفه عبدالقاهر الجرجاني بأنه عدم توقع مكروه في الزمان الآتي. (عبدالقادر الجرجاني نحوي و متكلم فارسي ت ٤٧١هـ)

إن ما نشعر به اليوم من طمأنينة النفس و سلامة العيش هنا في سلطنة عمان ما هو إلا بفضل من الله علينا كعمانيين، ثم بفضل إخلاص و تفاني الأجهزة الأمنية في الدولة و التي تسهر على تلبية متطلبات الأمان بكل ما أتيح لهم من مقدرات مادية و معنوية، فقد صُنفت السلطنة بالمركز الرابع لأكثر الدول أماناً و سلامة حسب التصنيف الأخير للمنتدى الأقتصادي العالمي، و تصنف ايضا رابع دولة يفضل زيارتها لتوفر الأمن و السلامة حسب مجلة و موقع (travel and leisure)، و ما هذا إلا دلالة على ما نحن عليه من نعمة كان يفقدها اجدادنا الذين عاشوا على هذه الارض قبل سنين ليست بالبعيدة، عاشوا ضنك العيش و و انعدام في الأمن الغذائي و الخوف من أن تغزوهم قبيلة او ان تغدر بهم أخرى، نعمة تفقدها اليوم دول من محيطنا العربي و الأمثلة بين أبصاركم و أسماعكم.

و لكي لا نكون كالذين ملوا و بطروا على نعم الله و قالو ربنا باعد بين أسفارنا، فإن علينا أن نصون هذه النعمة و نشكر الله على ما وهبنا، بل و نستغل ما نحن عليه من فضل و نعمة لتسهيل سبل العيش الكريم و عمارة الأرض، و بشكر الله تدوم النعم.

بقلم: حميد محمد المعمري
http://www.sahmawi.com/do.php?img=3520 (http://www.sahmawi.com/)