المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكتابة فن وذوق بقلم:رحمة الهدابية



صوت صحم للاعلام
09-26-2017, 06:29 PM
الكتابة فن وذوق
بقلم:رحمة الهدابية


تبقى للكتابة مهما اختلفت مفاهيمها وتباينت عناوينها وتوزعت مسمياتها بين شعر ونثر وقصة وخاطرة أو حتى كتابة مقال ما لها رونقها الخاص والجميل وسحرها العاطر الجذاب وجمالها المتفرد الخلاب في قدرتها اللافتة والعجيبة في إظهار ذلك التأثير الواضح والجلي على نفس هذا المتلقي أو ذاك القارئ وإن لم يكن قبل ذلك يظهر ويتضح هذا التأثير بصورة مباشرة وغير مباشرة على الكاتب نفسه فالكتابة ليست كما ظننتها وتصورتها في بادئ الأمر ولا يزال الكثير من الناس يخطئ ويتصورها على النحو ذلك على أنها مجرد مجموعة من الحروف يتم دمجها وربطها مع بعضها البعض لتشكيل تلك الكلمة أو تركيب كلمة على كلمة لتكوين ذلك النص الكتابي وإنما الكتابة الصحيحة والمنهجية هي تلك الكتابة التي ينبغي لها أن لا تكاد تخلو أو تخفى على أحد من الناس عما تحويه في طياتها من معان نبيلة وغايات وأهداف سامية والتي تساهم بدورها كل من هذه المعاني والغايات والأهداف على إضفاء طابع جميل من ذلك التأثير اللآمحدود لهذا النص الأدبي الذي كتب والذي يظهر على حد سواء بصورة مباشرة وغير مباشرة من خلال قوة وعمق هذه الكلمة التي كتبت والتي لا تستدعي للجزم أو النقاش في ذلك على بقائها في قرارة خلد هذا القارئ الكريم لفترات زمنية طويلة يتذكرها ويرددها بينه وبين نفسه وبين الآخرين فكم رأينا وقرأنا عشرات بل مئات من النصوص الأدبية القديمة التي قيلت وكتبت منذ زمن بعيد ولا زالت تروى وتدرس لنا في مختلف الجهات والهيئات التدريسية مدارس وجامعات على هيئة أبيات شعرية قيلت لأغراض شعرية مختلفة غزلا كانت أم هجاء مدحا أو رثاء وغيرها من أغراض الشعر المعروفة أو حتى قصصا جميلة قيلت لنا من باب العبرة والعظة ومازال الكثير منا يستشهد بها في عموم مواقف حياته التي تصادفه في يومه أو الاستشهاد بها في مختلف المحافل والمناسبات إن دعت الحاجة لقولها . لذلك يسعى ولا يتواني ولو للحظة واحدة كل كاتب مهما اختلف مسماه الشعري شاعر أكان ام ناقدا قاصا أو ممن يمتلك شيئا من الحس والذوق الأدبي الأنيق والرفيع في صياغة الخواطر وكتابة النثر جاهدا في ذلك وبكل حرص وعناية فائقة وشديدة ترجمة كتاباته وفكره الترجمة الصحيحة والمنهجية التي تليق في المقام الأول بلغته الأم الآ وهي اللغة العربية التي تعد بمثابة لغة الأدب والشعر وكما هو متعارف عند الجميع منذ القدم وما أدل على ذلك هو تفاخر وتبارز وتنافس العرب فيما بينهم في المسارعة في إظهار كنوزها ومكنونتها الجمالية الأدبية التي تمتاز بها عن سائر لغات العالم لتبقى هذه اللغة من أجمل وأبدع اللغات وعلى مر مختلف من العصور والأزمنة التي تعرف كيف تحاكي ذلك الشعور الوجداني لذلك الإنسان بأسلوب بسيط وماتع ومن ثم تليق به لكونه كاتبا محترفا أمتهن هذه المهنة أوالحرفية العظيمة عن علم ودراية وحب وهواية عارفا ومتمرسا منذ البداية في كيفية ترجمة وبلورت تلك الكتابات بمختلف أنواعها ومسمياتها على هيئة نصوص أدبية تقرأ وتحفظ للإستشهاد والاستدلال بها في مختلف الظروف المناسبة والمشابهة لما قيلت فيهالتكون مصدر إلهام للناس وفي الوقت نفسه تكون مرجعا ومستودعا يعكس عما في خلدهم من مشاعر وأحاسيس مختلفة تجاه موضوع معين أو قضية ما.
وهذا لا يمكن أن يحدث كله صدفة أو دفعة واحدة بين ليلة وضحاها ما لم تسكن وتستقر تلك المشاعر والأحاسيس أولا قلب وفؤاد الكاتب نفسه تشغل فكره وعقله ليلا ونهار وتحرك وجدانه بكل قناعة وتصميم صوب تحويل وتجسيد كل من هذه المشاعر والأحاسيس المختلفة والمختلطفة في آن واحد والتي تملأ نفسه وأعماقة إلى واقع مختلف وعمل آخر أكثر وقعا وملامسة وإيضاحا لما في نفس الآخرين فهذه المشاعر والأحاسيس ليست مجرد كونها أفكار وخواطر تعشش في مخه أوتمر خاطره وفكره بين الحين والآخر وإنما تعد بمثابة الوقود المحرك أو شرارة الانطلاق نحو تدوين وكتابة ذلك النص الأدبي.

حتى يتسنى له في المقابل أن يبقي بنصه هذا خالدا ومن بين النصوص الأدبية القليلة التي حظيت بتلك المكانة العالية والانتشار الواسع والسيادة الواضحة لفترات زمنية طويلة يتناقلها الناس فيما بينهم جيلا بعد جيل حتى ما بعد مماته لما حواه هذا النص من شروط وعوامل حري به وبكل كاتب ذو فراسة وخبرة في هذا المجال أن يتنبه لها وأن لا تغيب عن باله أبدا إذا ما أراد من جعل هذا النص أكثر رواجا وقبولا بين الناس
ولعل من بين أبرز تلك الشروط أو العوامل وأكثرها تأثيرا على النص هي كالآتي:
أولها: وجود نية أو بالأحرى وجود رغبة* جامحة وحقيقية في تحويل هذه الأفكار والخواطر إلى نص أدبي يبقى عالقا برهة من الزمن في عقول وأذهان الناس إذ لا يكتمل أي عمل بعدم وجود رغبة قوية في إكماله واتمامه وإن اكتمل لن يصل إلى الصورة المرجو والمؤمل* الوصول إليها .
ثانيها:حضور الذهن وصفاءه: إذ يعد هذا الشرط أو العامل أحد أهم وأبرز اشتراطات و متطلبات كتابة أي نص أدبي الذي لا يجب أن يغفل أو يتغافل عنه أي كاتب يريد تدوين وصياغة نصه الأدبي بالشكل الذي يليق به ومن ثم يلقى ذلك الاعجاب والاستحسان من قبل الآخرين على ما كتب ففي هذه المرحلة يعيش الكتاب والأدباء عامة والشعراء خاصة مع نصوصهم كما تعيش المرأة مع ابنها حتى قبل ما ان تنجبه في الحرص أولا على معرفة ما إذا ستنجبه ذكرا أم أنثى ومن ثم التفكير في شراء وتوفير المعدات والمستلزمات التي يحتاجها هذا المولد الصغير من شراب وطعام وثياب وطرق الرعاية والعناية الصحية به والتربية السليمة التي تجعل منه سليم النشأة* وهذا الأمر ينطبق إلى حد كبير على الشعراء في البحث قبل الكتابة عن أي* موضوع أو قضية معينة شائكة تشغل وتقلق الرأي العام ومن ثم تحويلها لهذا النص الشعري الذي يحكي تلك المعاناة وذلك من خلال البحث المتواصل والمستمر دون* كلل أو ملل في الغوص والابحار في بحر اللغة العربية العائم بتلك الجماليات اللغوية باحثا في ذلك عن تلك الكنوز الثمينة والدرر الجميلة من الألفاظ والكلمات والصور الجمالية التي تناسب وتلاءم نصه الشعري مع الحرص الشديد في عدم عرض النص مباشرة على الجمهور حتى ما بعد الانتهاء من كتابته لتعقبه مرحلة النقد والتدقيق* والجرح والتعديل لذلك النص التي يحرص عليها كل شاعر وأديب على عرض نصه عليها يقوم بنفسه على هذه المرحلة إذا رأى من نفسه مؤهلا لما يمتلكه من خبرة كافية لفعل ذلك أو عرضه على أناس أكثر خبرة واختصاصا في مجال نقد النصوص الشعرية وإعطاءه بعضا من النصائح و الملاحظات إن وجدت في نصه لأخذها* بعين الاعتبار على تحسين وتطوير ذلك النص حتى إذا ما أراد عرضه على الجمهور يعرضه نصا متكاملا يكاد أن يخلو من عيوب وأخطاء اللغة المعروفة في قواعدها النحوية والإملائية أو عدم تجانس قافية كل بيت مع قافية البيت الذي يليه والتي من المؤكد تصادف المبتدئين فهذه المرحلة تعد بمثابة حياة فريدة واستثنائية يعيشها ويعايشها كل أديب مع مولده الأدبي الجديد.
ثالثها: ضرورة وجود أو وضوح الهدف والغاية السامية والنبيلة من وراء كتابة هذه النصوص الأدبية على اختلافها التي يدأب الكتاب والأدباء على كتابتها وتنظيمها مدة قد تتجاوز عدة أشهر للنص الواحد فإستشعار الناس وفهمهم للفكرة والرسالة التي يريد هذا الكاتب إيصاله بشكل سهل ويسير غير مبالغ ومعقد فيه من فحوى النص له بعد آخر يضاف على شكل ومضمون النص يزيده أكثر جمالا وتميزا وتألقا ناهيك عن ذلك الحب والاحترام والتقدير الذي يسكنه هولاء العامة لهؤلاء الكتاب الذين سعوا بما يمتلكوا من أدوات تعبيرية بسيطة طوعوها لإيصال ما يودوا إيصاله من رسائل عدة لمن يهمه الأمر. وهذه بعضا من الاشتراطات من اشتراطات كثيرة أحببت إيضاحها وبيانها وما انقطاعي فترة ليست بالقصيرة والتي قد تعدت قرابة الأربعة أشهر منذ أن بدأت لأول مرة في الكتابة والنشر من العام المنصرم لخير دليل على معرفتي وإدراكي السابق والمبكر بأن الكتابة لا تعني مجموعة من الحروف أو الكلمات التي يتم إلصاقها ببعضها البعض ولا تعني أن أكتب في كل يوم أوفي كل حين حتى يطلق علي اسم "كاتب" وإنما الكتابة قبل أن تكون علم فهي فن وذوق لأنها تلامس ذائقة شريحة كبيرة من الناس وإن لم يكونوا من كتابه ورواده فهذه رسالة محب وعاشق لهذا الفن الجميل إلى كل من يمتلك قلما جميلا عليه أن يسمو بفكره وبما يطرح لتصل رسالته بكل حب وود إلى قلوب الاخرين فالكتابة فن وذوق وعلى الفن أن يحترم ويقدر.


http://www.sahmawi.com/do.php?img=3285 (http://www.sahmawi.com/)