المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في حضرة نوخذه .. بقلم علي البادي



خبر
01-07-2014, 06:02 AM
من الواقع

في حضرة نوخذه...

في الاسبوع الماضي، شاءت لي الظروف أن أحظى بالجلوس في لحظات ومواقع مختلفة ومثرية فكريا مع ثلاثة من أقدم البحارة في ولاية صحم ، والذين ارتبطت أسماؤهم بالمحامل والمراكب العمانية ومسالكها المختلفة في طريق الحرير وغيرها من الرحلات البحرية التي سجلت الريادة للبحارة العمانيين ، وجميعها مثلت في ذاك الوقت جسرا هاما للوصول الي ما وراء البحار لبناء علاقات التبادل التجاري ، والتعريف بإنسان الجزيرة العربية وقيمه ومبادئه فضلا عن الاسهام في نشر الدين الاسلامي.

من دكان لا يتجاوز أربعة أمتار في طوله وثلاثة امتار في عرضه ، لكنه يضم الكثير من ملامح وصور وذكريات الماضي التي بعضها يرتبط بتاريخ حصن صحم المجاور لهذا الدكان ، كان الحاج أبوخالد جمعه بن سيف الزعابي يتحدث مسترسلا في الوصف عن رحلاته وزملائه بقية النواخذة الذين عشقوا ركوب البحر وسجلوا تاريخا مشرفا للعمانيين والمحامل أو المراكب العمانية بتنوع مسمياتها وحمولاتها ووجهاتها، فمع زعله الشديد لا يستطيع أن يخفيه على تبدل حال السوق القديم ونقله الي موقع أخر مجاور ، إلا انه لم يخف حبه وارتباطه بالبحر والتجارة ، متمنيا أن يعرف الجيل الحاضر بماضي السابقين الذين تركوا في العالم الخارجي شواهد مشرفه لكل العمانيين ، حيث يروي أبو خالد كيف كانت مراكبهم تمخر عباب البحر منطلقة من أمام حصن صحم التاريخي وهي محملة بالليمون الجاف والتمور والاسماك المجففة واخشاب السمر وغيرها من السلع الاخرى التي ينتظرها التجار في موانئ وأسواق مزدهرة بالنشاط والتبادل التجاري كاليمن والعراق وايران والهند وبعض الدول الخليجية والدول الافريقية والمرافئ الخارجية الاخرى، ومما يرويه أيضا كيف أن العمانيين كانوا في وئام وتآخ**مع شعوب الدول الاخرى التي يقيمون فيها أو ترسو فيها السفن العمانية لدرجة أنهم يقيموا بين فترة وأخرى مسابقات ورهانات ترفيهية في أنشطة كالجري أو شد الحبل أو غيرها من أنشطة الترويح خلال أيام الانتظار في المرافئ والاسواق الخارجية ، ومما يشير اليه أيضا أن الشركات العالمية الكبرى كشركات النفط التي كانت تتواجد آنذاك في دول الخليج ومنها السلطنة ، كانت تفضل التعامل مع النواخذة العمانيين وتختار السفن العمانية لشحن بعض المعدات أو الحمولات الخاصة .

*وفي جلستين منفصلتين تواصل الحديث عن ذكريات البحر والبحارة العمانيين والمراكب والسفن التقليدية مع الحاج يوسف بن عبدالله**البلوشي وعلي بن محمد البريكي وهما أيضا من البقية القليلة للنواخذة في ساحل محافظتي شمال وجنوب الباطنة ، وبحق أن مثل هؤلاء النواخذة ومثلهم أيضا في ولاية صور ومحافظات ساحلية أخرى ، يمثلون مكتبة ومخزونا فكريا لطالما احتجناه وربما سنحتاجه أكثر مع**قادم الاجيال و الايام ، وقد لمست خلال حديثي معهم أنهم يفرحون حينما يجدون من يستمع أليهم ، حيث يعود بهم**الحديث الي ذكريات تمثل لديهم أجمل أيام العمر حتى وإن ارتبط بعضها بحوادث وشواهد مؤلمة خلال بعض الرحلات ، وهذا ما وجدته حين الحديث مع النوخذة علي البريكي الذي كان قد وصل الي افريقيا قبل حوالي سبعين عاما ضمن بحارة المراكب العمانية فعلى الرغم من بعض المواقف الصعبة التي كانت تواجههم في رحلاتهم التي تمتد لعدة اشهر ، إلا أن المواقف والذكريات الجميلة تبقى هي الاكثر جمالا وجمالها يمحو المواقف المؤلمة ، ومما يرويه ايضا أن المراكب والسفن العمانية التي كانوا يستخدمونها في رحلاتهم هي البدن والسنبوق والبوم والشوعي والبقارة او الزعيمة*حسبالتسميات المتعارف عليها*،**حيث تعود هذه السفن من الموانئ والاسواق الخارجية الي السلطنة في مرافئ مسقط والباطنة والشرقية وهي محملة بالركاب وبأخشاب الكندل الافريقي والقرنفل والتوابل والملابس وغيرها من البضائع التي يكون التجار في السلطنة ينتظرونها سواء لمحلاتهم التجارية أو لبيعها لتجار أخرين .

ما يخشاه ويجمع عليه النواخذة المتبقون*على قيد الحياة في السلطنة والذين معظمهم إن لم يكن جميعهم أصبحوا في أعمار متقدمة تجاوزت الثمانين عاما ، هو عدم اهتمام الشباب من الجيل الحاضر بتاريخ البحارة العمانيين ، وهذا ما قاله الحاج يوسف البلوشي ، الذي ينشد الشباب أن يهتموا بتراث البحارة والسفن العمانية ، وأن يبادروا في تدوين وتوثيق ما يمكن توثيقه ليبقى ذلك تاريخا مرويا يستحضره أجيال المستقبل ، وفي سياق هذا الحديث ، فمن الجدير بالإشارة ثناءً الي جهود بعض الشباب الذين اهتموا ببحث وتوثيق حياة البحارة العمانيين وطرق رحلاتهم البحرية ومراكبهم التقليدية المتنوعة ، خاصة في ولاية صور ، وهو الشيء الذي اعان الكثير من الباحثين في شأن الرحلات البحرية العمانية ، وكذا الحال في ضرورة الاشادة بالمشروع الذي يقوم به حاليا منصور الزعابي من ولاية صحم لترميم واعادة بناء بعض السفن والمراكب العمانية التقليدية التي تجسد العلاقة بين الانسان العماني والبحر والتجارة ، ومن المؤمل ان نرى مبادرات مماثلة ، ودعم لهذه المبادرات من الجهات المعنية ، في اطار المحافظة على تراثنا البحري الممتد لمئات السنين .****

علي البادي
Abuhassan8@hotmail.com